الاثنين، 27 يوليو 2009

قصيدة لا تعرف موقعها منها


كيف يغفو ساهمٌ طال انتظارُه

والعيونُ الحورُ فى عَيْنَيْهِ نارُه


صورة لَمَّا أَلَمَّتْ لازَمَتْ

وانضوى من سِحْرِها فيها اعتبارُه


وجهُهَا يحكى الهوى فى حُكْمِهِ

لِفُؤَادٍ ضَرَّهُ منه ازْوِرَارُه


بسمةٌ خَجْلانةٌ من ثغرها

تَبْرُدُ الْجَمْرَ وإن لَجَّ استعارُه


صوتُها أصلُ التَّفَرُّدِ كلِّهِ

من مهيبٍ غامضٍ يأتى اقتدارُه


عِنْدَها سِرٌّ عميقٌ جاذبٌ

كُنْهُهُ رُوحٌ يُجَلِّيهِ اسْتِتَارُه


كلُّ ذا من صورةٍ تأوِى لها

يا سليمًا جُلُّ شَكْوَاهُ اختيارُه


كُتِبَتْ فى سَحَر 28-9-2009 بالقاهرة

السبت، 11 يوليو 2009

تدوينة تتحدانى

لَشَدَّ ما يكون ألم الجرح حين يُطعن المرء، وما كان أبلغ تصوير الشعراء له، إلا أن لحظةً تمر على الرجل تقول أن منتهى القول فى التعبير عن الجرح هو أنه الحرج ذاته . وكان شاعرنا أول ما يلتئم عنده مظهرُ الجلد وبريقه الذى يُعنى بالحفاظ عليه دائما، وبعده يعامِل غائر جرحه الذى لا يعلم مدى عمقه ونزفه؛ ذلك لأن الآلة كانت مجهولة – وعجبا أنه يَعُدّ ذلك شرفا له – وكلما كانت الآلة مجهولة غاب عن المرء غور ما تركته فيه، وكان الجهل عليه أصعبَ من الغور، وأعونَ على السقم، لكنه تارة يقترب من نزيفه الداخلى المتفجر، وتارة يهجره، وبين هنا وهناك يلتئم حتى يكاد يبرأ، وليس البارئ كالصحيح، وكلا وعد الله الحسنى.

وبعد ما جاهد واجتهد شعر بلذة اليأس، وكما قالت العرب هو إحدى الراحتين داخليا لمن جربه فى الحب قبلا وصحَّ فى مذهبه دون غيره، فيسوقُ القدرُ الطاعنَ قبل حصول يأس الرحيل أن يطمئن على موضع ضربته برسالة رقيقة، وتمر تلك الرقة على جلده بسلام لكنه لا يدرى أن لدلالات الألفاظ ما يبلغ العقل وما يبلغ القلب وما يبلغ كليهما، فإن هدّأ ما يبلغُ العقلَ الفكرَ كفاه، وإن تحسس ما يبلغُ القلبَ ثغورَه وتجنبها سلم منها وسلمتْ منه، إلا أن النوع الثالث يضرب برفق، وينزع بلطف، ويعتصر بحنان، فلا تكاد تُحَرِّرُ آلام الضرب والنزع والاعتصار من فمك حتى يهيمن عليها الرفق واللطف والحنان، فتبتلعها مضطرا، وتتجرعها صابا وأنت مجبر على الابتسام ولو أمام نفسك، ويعين هذا النوع الثالث من دلالات الألفاظ على دورها كثرةُ التكرار والجد فيه، وتحليل المدقق، وقراءة ألوان الكلام وفراغاته لاستظهار ما خفى منه أنى خفى، ولكن اتخذها شاعرنا فرصة للتدرب على التجاهل، وأراه نجح فى ذلك فانطمرت فيه قصائد كثيرة جد كثيرة كانت تسير بعد (الرسالة) فى عروقه مع شياطينها ودمائه، وبدأ يبرأ هذه المرة أيضا، وليس البارئ من كَلْم كالبارئ من كلميْن.

وفى الثالثة جاءت المشكلة رميا لا طعنا، وأيا ما كان الرمى هذا، إلا أن مؤمنَنَا لا يُلدغ من جحر مرتين، فإن حدث فقد زادت أجسام دمه المضادة مرتين، فخفف ذا من وقع السهام كثيرا فى المرة الثالثة، وكان قد تعلّم هذه المرة أن يستعين بالألم على العمل، وأصبح أحرص على الوقت والفكر أن يذهب لغير طائل، فأرسل الله على دربه من عبّر عن نفسه بشدة دقيقة، فادخر طاقة التعبير التى كانت قبلا إما تزيد النزيف أو توقفه، ادخر هذه الطاقة لما يُبنـى عليه عمل حتى لا يقع فى التكلّف الذى نُهى عنه شرعا، وسَكنَتْ أغنية وِتْنِى هيوسْتِنْ whitney Houston وجدانه ينشدها لمحبوبته مع كل صلاة تقريبا وإن لم ترها أو تسمعها منه مرة على وجه الحقيقة، مع زيادات تُفَصِّلها على قِيَاسِها:

If I should stay,
I would only be in your way.
So I'll go, but I know
I'll think of you every step of the way.

And I will always love you.
I will always love you.
You, my darling, you. Hmm.

Bittersweet memories
that is all I'm taking with me.
So, goodbye. Please, don't cry.
We both know I'm not what you, you need.

But you are whom I need.

And I will always love you.
I will always love you.


I hope life treats you kind
And I hope you have all you've dreamed of.
And I wish to you, joy and happiness.
But above all this, I wish you love…

And I will always love you.
I will always love you.
I will always love you.
I will always love you.
I will always love you.
I, I will always love you.

You, darling, I love you.
Ooh, I'll always, I'll always love you.

· ملحظ: لم أترجم الأغنية لأن كلمة الحب فى الإنجليزية "love" لها أكثر من مقابل عربى كالحب والعشق والهوى والغرام والهيام وغير ذلك، ولكل مفردة تفاصيلها الدلالية المختلفة والمتفقة مع أختها فى العربية، ولكن عندهم اللفظة عامة؛ ولذا ساعدتنى كثيرا على أداء مقصودى.

الأربعاء، 10 يونيو 2009

فتوى أبى مالك

دخلتُ عليهما بعد صلاة العشاء فآثرتُ السمع:

قال: يا أبا مالك وهل يَظلم المحِبّ؟

قال: لا والله لا أراه يَظلم، بل تَظلم المُحِبة.

قال: وى!! وكيف الخلاص إذن، إن أنا رددت عليها بعض ظلمها رفرفت فى العالمين بأنى أجور وأتجنى، ومن طرف عينها الآخر تُسِرّ لى بالشكوى المتدللة تارة، وبالحنق الغاضب تارة أخرى، تقول بصوتها الهادئ المميز: يا من لا تملك حسا ولا رأفة، من أى شىء خلقت؟ ولا أملك لها شيئا؛ فأرانى أحاول محوها فأثبتها، وأقول هو كلام مع جثة، فلا أجد الحياة تدب فىّ إلا عندما ترنو إلىّ هذه الجثة، فأى جثة هذه؟!

فرد عليه الشيخ: إذن فما هى بجثة...

فقاطعه مقطبا: أفهم أنها الاسم الأخير الذى شُطِب..

فيقاطعه الشيخ متصابيا بقهقهة تنم عن مكنون حُكم تبدى له فى المسألة، ثم يقول بعد أن يحك لحيته متراخيا: أتعرف يا صاحبى، إنه ظُلم مَن فى النار ولا يحترق، يستجيز الصلاة والرقص فى اللحظة عينها!..

فيكمل له القول: نعم عينها، هنا يكمن الإلغاز، وهنا يكمن الحل، إلا أن القدر يتأبى علىّ.. فليس التسلى عن بثينة أجمل.

فرد عليه: لا أراك أحسنتَ قراءة جميلٍ أبدا.

فاهتز عِرق درعمى فى صاحبنا: وماذا تحسن أنت فى علم الشعر وعمله؟

فاستوعب أبو مالك الموقف متجاهلا كعادته الأثيرة: أبدا كل ما فى الأمر أنك فهمت جميلا حين أخلص لبثينة دون غيرها، وفهمته كذا حين رد عليها سبابها انتصارا لكبريائه فى بغيض، وأزيد يا أيها الدعمى أنك فهمته حين طلب تقبيلها اختبارا لها فأبت وتوعدت، لكن لم تفهم أن صاحبته معه ليست صاحبتك معك؛ فهى تطلبه بل تبكى فراقه بالفعل والشعر، لا بالشعر فقط أو بالأحرى الكلام المنطوق والمكتوب فقط، ثمت هو يعيش الحياة لغاية غير التى تعيش لها أنت تمام الاختلاف؛ فهو يجاهد بحبه فحسب، وهذا حسبه يبنى به مجده التليد الطارف، أما نحن فليس هذا شأننا، نحن نخلط الحب بالثورة، كما تفضل تسميتها، فنستعين بهذا على ذاك، على مذهب بدر فى الفسطاط والمغرب موازنا ذلك بالرحلة ثم بشبه الجزيرة الأيبيرية .. الأندلس.. لا أدرى لماذا كلمة الأندلس حلوة هكذا، المهم أنك نسيت شطر جميل الأول، وذكرت الثانى فى قوله:
محا حبها حب الأولى كن قبلها وحلت مكانا لم يكن حُلَّ من قبل
ولولا إذ تبينتها فى النار ولا تحترق قلت ما يكون لنا أن نجاهد بهذا سبحانك هذه لفلان صاحبنا، لكنت سعدت بما سعدت به من التوفيق فيما وُفقتَ ووَفقتَ بعد ذلك.

فقال: فإلى أين المسير يا أبا مالك؟

قال: الحب فى حالتك كلمة تعنى أن تستقبل دون ما تستدبر، وربما حدث كلُّ ما حدث لكى تفهم أن الحب الذى رأيته فى عينيها هنا يمكن أن تراه هناك فى عينى إحداهن، وأنت لا زلت بعدُ فى الوطن العربى وإن كنت على يساره، وما المانع أن تتعدد خبراتك فى بلاد العرب المسلمين من أقصى شرقها لأقصى غربها، فها هو صاحبك رضى من عشقٍ أن يكون سابقها وعالِمها، ومن آخر أن يكون قائدها، ومن آخر أن يكون معلمها الأستاذ، ومن آخر أن يكون أستاذها المعلم، ومن آخر أن يكون كتابها المرقوم المفيد، المهم أنه وإن بلغ الذروة عندهن أو لم يبلغها بعينها فقد كاد يفعل، ودخل بذلك فى دائرة النفر الأكثر أهمية فيمن لقينهم فى الحياة، ثم مضى هو فى الحياة يستشرف ويتخير، وإن كان بأرض ليس فيها نساء الآن، لكن من يدرى فلعله يحصّل تحت القبر تبرا، المهم أنه يروم حيث رام، ألم يقل لك أن صاحبكما تامر عبد العزيز أنشده قصيدة أنشأها بالإنجليزية تحكى أنه يعرف بنتا من القمر وأخرى من الزهرة وهكذا، صحيح أنه قد اعترف بعد ذلك أنه لم يعرف من عالم النساء إلا نساء أسرته الصغيرة، لكن لا أرى صاحب الجامعة الأمريكية يرضى بأقل من المئة؛ فلا تستكثر الخمسة والستة فكل هذا يمهد للقرار بعدهنّ، وقد ذكرتَ لى أنك قرأتَ وسمعتَ منهما ما يفيد ذلك، وما يعينُ الزمن على طىّ الصفحتين، واستقبال عيون بلد لولا العيون لماتت عطشا يا أبا أروى.

قلتُ: ليته قال صدقتَ ولو فى سِرّه.





الجمعة، 10 أبريل 2009

عن أبى خليل

وَعَيْنٍ كَعَيْنِ الشَّمْسِ تَحْتَ سَمَائِهَا تَرَى وَهَجَ النُّظَّارِ يَذْوِى وَيَرْجِعُ

وَأُخْرَى إِذَا مَا اشْتَرَّ عُودُ ضِرَامِهَا وَجَدْتَّ لَهِيبًا فِيكَ يَنْمُو وَيَسْطَعُ

إِذَا أَشْرَقَتْ إِحْدَاهُمَا كُنْتَ نَافِرًا فَكَيْفَ إِذَا اجْتَمَعَا بِلَيْلٍ تَمَتَّعُ ؟!!

هذه كانت قصته فى تلك الليلة.

كان ينتظر دائما الوقت الذى تُوضَعُ فيه كل القيود على رَقَبَتِه، فلو اجْتَمَعَتْ بعضها دون باقيها شَعَر بحزْنٍ داخلىٍّ لا يلمسه إلا صديقٌ قَرِيبٌ أو حبيبٌ متداخلٌ مَعَ نفسه، يُمْكِنُكَ أن تفهمه بأنه طُمُوحٌ لأَحْلَكِ الليالى قتامةً، وأشد السلاسل ضيقا.

ثُمَّةَ هو يحب .. وكذا .. فَحُبُّهُ له فلسفةٌ لا تملكُ أن تُقِرَّهُ عليها؛ لأنه نفسَه لا يقرُّ نفسَه عليها؛ فهى تَثْبُتُ وتَنْمَحِى مع جَدِيدِ حَيَاتِهِ، وبالمناسبة هو مُتْحَفٌ بكل جديد، أما هذه فله فيها الحق..

كان من مظاهر ثورته فى عينيه أن تَهَدَّمَ ظَاهِرُ بنائِهِ - أو لِتَقُلْ نموذجه - أو كاد، وكان من مظاهر حبه فى عينيه أن تلاقى حُبُّه (الرجل) مع حُبِّه (المرأة)؛ حيث كان يَعُدُّ نفسَه السعادةَ التى تُثْمِرُ الابتسامةَ على وَجْهَيْهِمَا .. هكذا يفكر!!

ولكى يُحْرِزَ تقدمًا فى أحدِ خَطَّىْ حَيَاتِهِ هاذين، كان يزيد هجوما فى ثورتِهِ أو يزيد دفاعا عن حبه، وفى كل الحالات كان متأهبًا نافرَ العروق، وعندما تَحَقَّقَ صَبْوُهُ فى تقويض نموذجه أو تلاقى محبوبَيْه وجدتُّه هَدَأَ وابْتَسَم رِضَاءً وسعادةً لم أعهدهُ بها فى صوته وحركاته من سنة أو سنتين، بل لم يعهدها هو فى نفسه من زَمَنٍ يدانى هذه المدة!!

ولا يملك عاقلٌ إلا العجبَ تجاه دالٍّ كهذا لفْظًا ومَعْنى، ولكن ما يتملكنى حقا أنى لا أَعْجَبُ اليومَ بقدرِ ما أَسْعَدُ بأنى أَفْهَمُ هذه التركيبةَ، وأقتربُ منها من حيث لا أرى منازعا لى من نقطة الرؤية هذه.