الجمعة، 8 يوليو 2011

رٍيّ

تداعى في السماء بأمر ربي
سحابات سقَتْ صبًّا بصبِّ

فطعم الماء يعرفه قتيل
تلوّى من ظما الصحرا بِــشِـعْــبِ

فأرسل للإله بكا صريع
تضرع أن يفوز ببعضَ شرْبِ

وأجهده مقام النَّزْع حتى
أتته حياته من فوق سحْبِ

أتته فأنبتته من جديدٍ
يعيش بريِّها كحياةِ عُشبِ

وواصَلْتِ التّمكّن في عروقي
فأنت الروح في روحي، وقُـطبي

وأنت شريكتي في كل مجدٍ
وأنت طريقتي المثلى وحزبي

وأنت مدار حكمي واحتجاجي
وأنت على السحاب مسار سِربي

لئن ضاعت حقوق النفس فيها
فيبقى أنْ وَفَيْتُ بحق لبّي

سحر 7-7-2011 الرياض - الروضة

الأحد، 5 يونيو 2011

فاطم


قامت تعلمني الجمال فصولا

وتصوغ فيّ الكل والتفصيلا

وتحوزني فتفكني في أحرف

وتعيدني من ثغرها ترتيلا

وكأنني قد كنتُ عندي طلسما

ووجدتُ لي في صمتها التأويلا

وسكرتُ صحوا عن غيابات الدنا

ففنِيتُ معْها قاتلا مقتولا

صحَّتْ نبوآت الذين تخرَّصوا

وأبتْ قوانينُ الهوى تحويلا


الجمعة، 25 مارس 2011

نهر لندن، سيميا السينما بليلة مع سفارة الجزائر

ثقافتنا في عيون بريطانيا؟ سؤال حاول الاقتراب منه عمل سينمائي جزائري، وكنت أقرأ في ما يدعي المقاربات المغاربية طرحا مريحا للعلاقة العربية الغربية موجها للعرب، وفقا لموروث عريق، وعادة قديمة، ولكن بدا هذه المرة الطرح في الاتجاه الآخر، إذ لغة الفيلم الرئيسة الإنجليزية مع ترصيعات فرنسية متابعةً للقصة، ولطائف عربية كأيقونة على مجهول على الحقيقة معروف على المجاز يُسمى الإسلام.

قامت السفارة الجزائرية بالتعاون مع السفارة الهندية بالرياض بتنسيق عرض فيلم "نهر لندن"، في ليلة طيبة الهواء والحضور، ومظلة من التداول التعليقي على الفيلم، وكان الاختيار من حيث هو جزائري عربي وطنيًّا من الطراز الأول، وإن احتفظ بلون مرح خافت، وإضاءات إنسانية في الخلفية.

تسير كل الأنساق في الفيلم في اتجاه واحد فقط، وهو ما حول الحدث، حدث تفجيرات 2005 بالعاصمة البريطانية، وربما أعطى ذلك إتاحة ما للمشاهد أن يفكر ويتأمل ولو داخليا بعيدا عن لحظة الذروة وشد الانتباه، ولكن في المقابل شكل رتابة ملموسة من طبقة الشباب خاصة ، وأصحاب النظام التمثيلي البصري كما يصنفهم علم البرمجة اللغوية العصبية.

تآزر عناصر نسق الأم الريفية البروتستانية، والأب الريفي المسلم، في تكريس التشابه بشكل يكاد يوجه المشاهد لترقب الأحداث وتوقعها، بينما تستغرق فترة تصعيد الحدث أكثر من النصف الأول للفيلم تقريبا، مع الاهتمام بكثير من التفاصيل التي لم تزد السياق نفعا، ولعل أحدا من المشاهدين وجد فيها فسحة للمعايشة الافتراضية للحياة الغربية إن لم يكن يعرفها.

بينما تشكل الفرنسية عند الأب عثمان لغة الحوار، يجد المشاهد أن إتقان السيدة أم جين غير مبرر، ولكن هناك أمور يمكن تمريرها.

تظهر تجليات فكرة الفيلم الرئيسية في حوار واحد فقط، حين تحدث السيدة أم جين أخاها إدوارد لتخبره باكتشافها الفظيع لعلاقة بنتها بمسلم وتعلمها العربية، وأنها ربما تحولت للإسلام وتنفجر في البكاء، في الوقت الذي مثلت فيه هذه اللحظة أول المشاهد الكومدية لدي المتلقين العرب في القاعة من ضحكات وتعليقات سخرية، ولكن سرعان ما يقلب المشهد نفسه لنرى هذا الجمهور يتجهم ويقطب مع افتراض حدوث العكس، لا سيما وأن الأب المسلم قد ترك فتاه عندما كان في السادسة وهاهو يتخوف من انحراف الفتى دينيا، إذ لم يربه بنفسه، وهنا يبلغ الصراع الداخلي مرحلة يفضل المخرج أن يتركها مفتوحة للمخالصة الداخلية لكل من يشاهد بعد أن جسَّد له قدر الإمكان معنى عراكيّ بارد للتقبل والرفض، إذا ما اتخذ التقبل قاعدة حياتية تكلف الكثير، أو إذا ما كان الرفض بديلا آمنا في كل الأحوال.

وعلى صعيد عملية التَّدْلال semiosis نجد المخرج يمثل بالتدخين حالة نفسية لرفض السيدة لواقها، هروبا أو انتقاما، كما ظهر بالطريقة الانفعالية التي تحرك بها السجائر بعد خمسة وعشرين عاما من عدمه، ولكن وفقا لتفاعل الجمهور نجد أن المشاهد الأربعة التي ظهر فيها تدخين السيدة كان القاعة تفيض بالضحكات، علما بأن جمهور المتلقين ينتمون لثقافات متعددة عربية وغربية، وهنا يميل منحنى التعبير عن المدلول إلى أدنى حالاته.

أما في محاولات استدعاء الفيلم للماضي بتبايناته، كقبر والد الفتاة، وصور الفتى صغيرا مع أبيه كان التركيز على عواطف بشرية مطلقة، وكأنها إشارة إلى مكان البدء، يتجلى هذا في مشهد جلوس العجوزين في المتنزه واستعراض عواطف المزارعين تجاه شجره ومائه وأرضه، وكأنه يلقى للمُشاهد بطرف الخيط، فيما يجعل انعكاس كل ذلك في حضن السيدة للرجل قبل المغادرة نتيجة حتمية للتقارب الإنساني، وإن كان في هذا المسلك بعدا بالعمل السينمائي عن نطاق الغموض والعبثية المطلقة، إلا أن هذا الطرح لا يخفى أنه علماني من الدرجة الأولى ولكن في أكثر صور العلمانية تهذيبا، إذ حافظت على وضوء الرجل وصلاته وآلته الموسيقية القديمة التي أهداها لفتاه، وإن كنا نرى أن إيثار انفتاحية الدلالة وتكريس الإحساس بالمشكلة وتغويم الحدث النازل قدر الإمكان أولى لتبعّل وجود المتلقي مشاركا في العمل الفني لا مستهلكا فحسب.

ولا ننسى أن سيميائية العنوان تاهت في مكان بعيد لم يعرف له أحد طريقا، كما تاهت معها تقنيات الغلق ومعطيات ما بعد انهيار الأبوين حزنا لموت الأولاد في عملية التفجير.

كان العمل محاولة لها شرف المحاولة على الأقل، ويبقى أنها لا تجد أقرانا كُثُرًا، على الطريق، على خطورة هذه الثغرة فهل يجد يوما المهتم الغربي غَناءً فيما يتلقفه من ميديا العرب المسلمين؟

غاية الفهم؟ من زاوية سيميائية

إثرَ ليلةٍ هادئة، شاركتُ في حوار تعارفي مع عالِمةٍ متخصصة في مجال مشترك بيننا، وبعد كُلَيْماتٍ، سألتني عن كتابٍ عمود في عملنا، ثم قالت أفهمته جيدا؟ فوقعَتِ الكلمة من نفسي أولَ ما وقعت على غير ما أُحِب، ولكني تداركت بدبلوماسية لطيفة وآثرت الاستماع لما لديها فهذا أظرف مقامًا، وظَلْتُ أروح داخلي وأؤوب، وأفكر في معاني سؤالها الأول، إشاراتِهِ ودلالاتِه، محاملِه ومنازِله، وأتوخى استطلاع رأيي في صمتٍ كلما لاح شيء من ذلك، حتى وجدتني أقول: لا يلقي مثل هذا السؤال إلا من له قصد فكري معين يرمي له، كالذي يسألك عن رأيك في مسألة لتقول رأيا، فيقول: بالتأكيد ودليل ذلك كذا وكذا، ولاح لي من ذلك إرهاب فهميّ، به يَتِمُّ قَصْرُ ما يحتمل التوسُّع، وإدخال الشرح والحاشية في المتن سواء بسواء، ثم بعد فترة تريُّث، وجدت السؤال عن الفهم محاولة للفهم، إذ يتوقع أنك بايَنْتَه فيه فحصل الثراء، ونُدبتِ الإفادة منه، ولكن آثر نفسه وفق اعتبارات المقام المرعية بالطرح أولا، وما البأس إذن، ولكن أيكون طرح الفهم فهما آخر؟ يتيح للفاهم أن يصوغ ويحلل أو ينظّر ويركب حتى يجد نفسه جاوز النص المفهوم إلى مفهوم النص، وهو ولا شك شيء أكثر انتماءً له هو، فتحدث اللذة، ويمتلك المأرب، وتجيش النفس عملا وتعبيرا وحركة، إذ النص ما هو إن لم يفهم؟! وبعبارة أخرى حياة النص فهمه لا هو.

ثم سألتُني: ما غاية أن يفهم المرء كتابا في أصول علم ما، الكتاب نفسه فهم كاتبه لنظرية معينة؟ هذا من ناحية، ومن أخرى: أكُلُّ التفريع مفيد؟ أكُلُّ فهم لفهم لفهم يفيد؟ وهل مبدأ الثراء الأفكاريّ قائم على القبول دائما؟

وهنا آثر الحكيم الداخلي أن يوقف الأجزاء الديناميكية المتحكمة في عقله الواعي المحلل لتضغي لاستاتيكية العقل الباطن العاطفي، وبدأ يحاول الإجابة فقال وبالله التوفيق: اعلم يا رعاك الله أن غاية فهم المرء لنصٍ ما ليست أبدا إدراك المتلقي لمقصود المرسل، وإنما هي إدراك المتلقي لما يراه المتلقي مقصودًا من المرسل، وبكلمات أخرى: هو إدراك المتلقي لما يطمئن المتلقي له أنه مقصود المرسل. ويختفي الجدل على صحة ما ذكرنا بقولنا: أنْ لو ادعى متلقٍ أنَّ كذا هو مراد المرسل وأن غيره مخالف لمراد المرسل، لأباح لمخالفه أن يدعي دعواه عينَها، وهنا يحتدم الإقصاء في إحدى صوره، وتنغلق الأفهام إذ المتكلم لا يَسْطِيعُ يَسْمَع في اللحظة ذاتها، وحال المتلقين هذه هي التكلُّم ولا شيء غير التكلُّم. فتح الله علينا..

وعلى ذا الأصل نبني فرعا: أنَّ شرط صحة التفريع ألا يكون للتفريع، إذ طلب الجِدَّة ضامنٌ لكل بذْلٍ عقليٍّ لكي يكون نافعا؛ لأن النسخ عمل الآلة فلا يحسنه بشري إحسانها له، بل ويفسده، والأصل أن يتولى المرء ما يحسنه؛ حيث هو قيمته، وكل نقلٍ زانه انحرافٌ كان بشريا نافعا، فكيف به إذا طَلَب الناقل أو المبدع – وهو ناقل ولا شك أيضا – أقصى الانحراف وهي الجِدَّة قدرَ الطاقة؟ يكون ذا أوج المعرفة الكائنة في لحظة زمنية معينة، وتتدفق بسرعة إلى ما دونها بقدر شدة انحرافها عما سبقها، فإن قُيل: في بعض المنحرفين شطط وخبل وجنون لا نفع فيه، قلنا: بقدر ما يستطيعون أن يطبقوا في الأرض ذات السنن الكونية والقوانين الطَّبَعِيَّة شططهم يكونوا قد أصابوا عين الاستقامة المعنوية، فأصل الحنيف المنحرف لا المستقيم. أحسن الله إلينا ..

والوجه الآخر لفرعنا: أن التفريع لو كان للتفريع لكان هباء هدرا، لأنه لا يعدو حالين: إما نقلٌ لا انحراف فيه يُثَمَّن، أو خيال لا قدرة لحامله/ لحامليه على مواجهة الناس به وتطبيقه، إذ هو أضغاث الفكر لا يُرجى منه الإثمار – لا إقصاءً منا له – بل تمحيصا وترشيحا لكل الطروح على قوانين الحياة التي ترفع وتخفض، وعلى ذلك لا نعترض على طرح بأنه تفريع للتفريع، وإنما نحكم بذا بعد أن يحكم التفريع ذاته على ذاته أمام امتحان القدرة الإرادة والتحمل، والسوق مفتوحة للجميع. قدس الله سرنا ورضي عنا وأرضانا ..

شكرتُ لله نفسي والسيدة، وانصرفت بسعادة الوئام الداخلي.

لا يعرف الشوق إلا من يكابدُهُ ولا الصبابةَ إلا من يعانيها

إدلاج ليل الجمعة ،

الرياض، حي الروضة،

20 ربيع الآخر 1432هـ

25 مارس 2011 م

حاتم الأنصاريّ

الجمعة، 11 مارس 2011

لوحة "الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه" نقد خطيّ


رسالة فنية للوحة:

من لوافت الوهلة الأولى خفة الحبر وثقله كثافة لتمثيل طبيعية اللوحة وعلى سجيتها، طلْقة بلا حدود آلية هندسية صارمة، وإنما تمارس الهندسة فيها دور المحدد العام والإطار اللين المرن المحتوي للنص.

مذاقان رخرفيان جديدان:

منهما طواعية الزخرفة لتمثل شكل الألف الخارجي على هيئة هالة طاقة تحيط به في أعلى منتصف اللوحة بشكل يدوي مرن لا آلي ، وهذا يكرس مذاقا جديدا في فن الزخرفة حيث لا يخضع للآلية الهندسية بقدر ما يراعي روحها والسبب في استخدامها فلا يدمر بها طلاقة النص ولا يحد حركته.

كما أن تغيير الركنتين السفليتين عن العلويتين إلى ركنتين أكثر قِصَرًا يؤكد على انبعاج النص من الجانبين، بالإضافة للألوان المستخدمة التي تشير إلى أن الزخرفة ليست شيئا ثانويا فرعيا يهدف للتزيين فحسب بل هي لوحة داخل اللوحة، وجهد مستقل متناغم مع غيره دالٌّ على ذاته، رأسا برأس، ولونا بلون، ومساحة بمساحة، وظهورا بظهور؛ حيث لم يبهتها ليظهر لون الكتابة الداكن ولكن جعل منها التمهيد للانتقال من الفراغ للوحة وهو الرمادي الخفيف جدا على الأطراف ثم المفارقة اللونية الظاهرة بالكحلي الغامق جدا كأنه الأسود، ومنه للون منير شديد الحرارة كالبرتقالي، ومنه تدرج للأحمر الداكن قليلا مطعما بالأزرق لا كما كان العهد بالزخارف القديمة من التطيعم بالأحمر دم الغزال على قلة في استخدامه.. وهذا يفيد تقعيد قاعدة بجوار الأولى حيث لم يخل توزيعه الجديد اللطيف الغريب للألوان على الزخرفة بعراقة اللوحة وانتمائها لتيار الفن الكلاسيكي.

كما يثير التعاطف الإنساني مع الخطاط وصله بشريا بتصميم جامع بين الركنتين العلويتين بالركنتين السفليتين، إذ هو لم ينتهِ قطعيا ولكن جعل الالتفاف أكثر رقة فقط ولم يصل به لدرجة الصفر ككثير من تقليديات عمل الزخرفة السائر على القواعد الكلاسيكية في العصر الحديث، وهذا يتناص خطيا مع الكثير من الزخرفات القديمة جدا لعصور ما قبل النضوج الفني الخطيّ الزخرفيّ في تركيا، حيث كانت كتابة المصاحف والنسخة السلطانية لصحيح البخاري وصحيح مسلم في صفحتها الأولى والكثير من المخطوطات المأثورة عن المكتبة السلطانية تحمل هذا التصرف في الانتقال بين كتلتين زخرفيتين متقاربتين مما يزيد إمكانية التواصل بين جزيئيات اللوحة من جهة، ويضفي شعورا إنسانيا حرا في التفكير الزخرفي غيرَ مقيد وبحدود هندسية تقتلته أو تقيده أو تفرق بين الإخوة في لوحتهم الواحدة.

تناسقات التوازي والتقاطع:

كما لا يخفى من أوليات النظرة الأولى إتقان دوران العينين المتوسطتين اللوحة مرْكزا لها، مع رسمة الحاجب على اختلاف في درجة كثافة اللون.

ومن التناسقات المتوازية بعد دوران العين اليمنى (عون) وقبيل الواو مباشرة مع حركة الدوران المخطوف للنزول للياء ومساحة الأبيض والملون المنضبطة بشكل ممتاز والتي تفيد استرخاء يعقبه قبض وتقلص محمود جدا في رأس الواو مع دقائقها الرفيعة، على أننا نرشح أنه كتب العين أولا قبل ( في) بدليل أن نهاية الياء منحرفة قليلا لليسار بشكل يصب في العين ليحدث التكامل بين الرفيع والسميك والتشابك بين جزيئيات اللوحة المتتالية خطا ونصا ( معنى مقروءا) بين كلمتين.

إلا أنه أخطأ في توصيل النون المتوسطة للوحة للعين الثانية (عبد) في الطرف الأخير خطأ غير فاحش، إذ أثره البصري قليل، ولب المشكل أن ذا الطرف القصير الذي طَوَّلَه بالغا به العين لو حذفه واكتفى بطرف النون واصلا لرَدَّة العين الراجعة بحرف الباء بعد ما صنعت سنتها، لَحَقَّق فوائدَ منها جعل النون مائلة قليلا لليسار وهذا هو الأولى في الأمشق مشابهة لأعمال الأتراك الكثيرة القديمة، لا سيما في السطر العادي فضلا عن التصرف في التشكيل، وأظن أن أغلب المصريين بعدهم وغيرهم تابعوهم في ذلك، وهي ظاهرة شديدة الوضوح أظهر من أن يدلل عليها، وأقل القولِ اطرادُها في لوحات عبد الله الزهدي بالمسجد النبوي والشيخ عبد العزيز الرفاعي في نونيته المطبوعة الشهيرة وفي لوحته الأثيرة بمدرسة خليل أغا بالقاهرة وغيرها، وكذلك عند الجيل اللاحق لهم كسيد إبراهيم في مشقه الثلثي وحامد الآمدي في مشقه ولوحاته على خلاف بعض المصريين ممن عاصرناهم وحسن منهم ذلك أحيانا وقبح أحيانا أخرى، والفائدة الثانية هي تقليل المثلثات الصغيرة الرفيعة المتكونة من الأماكن الضيقة في اللوحة والتي تمثل دقيقات غير ممتعة بل تزيد تكلفة اللوحة المعنوية حيث تجعلها معقدة دونما مقصود فني مفيد أكثر من جعل النون متعادلة الجنبين وهو مقصود لا نميل له.

تنشيز يمكن تمريره:

ومن أسوأ ما فعل الخطاط في هذه التحفة الجميلة تلك الألف المقابلة لألف لفظ الجلالة والتي هي من قبيل التزين لإحداث التوازن والتي كلفته أكبر تكلفة، وهي تغليظ حاجب العين الثانية مخالفة للأولى التي عرتها وفضحتها، لا ضعفا في أدائه – وفقا لاعترافنا بمقدرته العالية وتمكنه من أدواته الأولية جيدا – وإنما بغرض جعلها تتحمل سماكة وسماجة تلك الألف المعكوسة سيئة الوضع، وزاد الطين بلة أن جعل لها ذيلا راجعا منكسرا يخترق رأس العين ويكاد ينصفها ليسيء لمساحتها البيضاء مضاهأة منه لرشاقة ألف لفظ الجلالة التي تتعامل في وقة وتلمس مع العين بشكل عاطفي يحترم حرمها ولا يلمس أعضاءها وإنما يدور حولها ويستريح في داخلها بلا انكسار، وتختتم تلك الألف المتكلفة عملها القبيح بأنه لا بد من نفاذ سن ذيلها بعد اختراق جسم العين ورغم ضيق المساحة إلا أنها تصر على الاقتراب من السن الرفيع جدا للباء المرتفعة، كطفيلي لا فائدة منه يشارك عمدة وأصلا وركنا تقوم عليه اللوحة والنص، بشكل يضر فيه برقة هذه السنة البائية التي لا تجد لها رواجا ظاهرا بمقارنتها بالخطوط السميكة من حولها لمنافسة هذه الألف لها على التقابل بين الرفيع والسميك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

حتمية استكمال الإطار خطا:

المساحة البيضاء في يسار اللوحة تحت الدال كان يمكنه أن يملأها بظفر كبير أو أكثر، مما يدعم الشكل العام ويزيد من تماسكه الخارجي قبل انتقال العين للزخرفة المحيطة به والتي لا تملك إطارا يفصلها عنه وعدم امتلاك الزخرفة لهذا الإطار في حد ذاته ليس بعيب في وجهة نظرنا.

قاطع ومقطوع بلا عاشق ومعشوق:

ومما يستحق الإشادة هو إدراك الخطاط العميق لثنائية القاطع والمقطوع حيث كل من حاولوا التنظير لها - من وجهة نظري – وضعوا آليات وقواعد صماء لحد كبير تفيد الطالب المبتدئ لفهم بعض فلسفتها العامة لا لفهم حقيقتها وإمكاناتها الخلاقة وإتاحاتها الواسعة الحذرة في تشكيل اللوحة المركبة لا سيما من طبقات عدة، وذلك جلي في قطع ياء (في) لواو (عون) حيث قطعتها بُعيد انتهائه من إظهار رقة الواو في الانتقال من رأسها إلى جسمها دون ما يجني على هذه الرقة رغم ضيق المساحة المتاحة اضطراره لجعل رقبة الواو طويلة لا قصيرة مراعاة لأن واوها مرسلة غير مجموعة، وعلى أن اتجاه حركة جسد الواو قريب جدا من اتجاه حركة الياء لكن لم يكن التلاحم ممجوجا لاختلاف الهدف بينهما صعودا وهبوطا، واضطرار الياء للمسارعة في الصعود دونما كثرة احتكاك يفسد حدَّي جسد الواو أو يضيع ملامحها الدقيقة، وإن كنا نود منه لو ضَم طرف الياء الأخير قليلا لجهة اليمين حيث تزيد من التناسق مع دوران رأس الواو ولتصب في العين أيضا لا بأس ولكن مع مزيد من وقع الموسيقى الخطية، كأننا مثلا نقول لعازف الكمان أن يزيد الحدة الصوت فقط في إحدى الجمل الموسيقية التي يعزفها في نهاية الجملة من باب استحثاث الإثارة والتناغم أكثر مع القبول التام لعدم وجود هذه الزيادة المطلوبة حيث التناغمات الموجودة تفي بالتناسق الخطي جيدا.