الجمعة، 11 مارس 2011

لوحة "الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه" نقد خطيّ


رسالة فنية للوحة:

من لوافت الوهلة الأولى خفة الحبر وثقله كثافة لتمثيل طبيعية اللوحة وعلى سجيتها، طلْقة بلا حدود آلية هندسية صارمة، وإنما تمارس الهندسة فيها دور المحدد العام والإطار اللين المرن المحتوي للنص.

مذاقان رخرفيان جديدان:

منهما طواعية الزخرفة لتمثل شكل الألف الخارجي على هيئة هالة طاقة تحيط به في أعلى منتصف اللوحة بشكل يدوي مرن لا آلي ، وهذا يكرس مذاقا جديدا في فن الزخرفة حيث لا يخضع للآلية الهندسية بقدر ما يراعي روحها والسبب في استخدامها فلا يدمر بها طلاقة النص ولا يحد حركته.

كما أن تغيير الركنتين السفليتين عن العلويتين إلى ركنتين أكثر قِصَرًا يؤكد على انبعاج النص من الجانبين، بالإضافة للألوان المستخدمة التي تشير إلى أن الزخرفة ليست شيئا ثانويا فرعيا يهدف للتزيين فحسب بل هي لوحة داخل اللوحة، وجهد مستقل متناغم مع غيره دالٌّ على ذاته، رأسا برأس، ولونا بلون، ومساحة بمساحة، وظهورا بظهور؛ حيث لم يبهتها ليظهر لون الكتابة الداكن ولكن جعل منها التمهيد للانتقال من الفراغ للوحة وهو الرمادي الخفيف جدا على الأطراف ثم المفارقة اللونية الظاهرة بالكحلي الغامق جدا كأنه الأسود، ومنه للون منير شديد الحرارة كالبرتقالي، ومنه تدرج للأحمر الداكن قليلا مطعما بالأزرق لا كما كان العهد بالزخارف القديمة من التطيعم بالأحمر دم الغزال على قلة في استخدامه.. وهذا يفيد تقعيد قاعدة بجوار الأولى حيث لم يخل توزيعه الجديد اللطيف الغريب للألوان على الزخرفة بعراقة اللوحة وانتمائها لتيار الفن الكلاسيكي.

كما يثير التعاطف الإنساني مع الخطاط وصله بشريا بتصميم جامع بين الركنتين العلويتين بالركنتين السفليتين، إذ هو لم ينتهِ قطعيا ولكن جعل الالتفاف أكثر رقة فقط ولم يصل به لدرجة الصفر ككثير من تقليديات عمل الزخرفة السائر على القواعد الكلاسيكية في العصر الحديث، وهذا يتناص خطيا مع الكثير من الزخرفات القديمة جدا لعصور ما قبل النضوج الفني الخطيّ الزخرفيّ في تركيا، حيث كانت كتابة المصاحف والنسخة السلطانية لصحيح البخاري وصحيح مسلم في صفحتها الأولى والكثير من المخطوطات المأثورة عن المكتبة السلطانية تحمل هذا التصرف في الانتقال بين كتلتين زخرفيتين متقاربتين مما يزيد إمكانية التواصل بين جزيئيات اللوحة من جهة، ويضفي شعورا إنسانيا حرا في التفكير الزخرفي غيرَ مقيد وبحدود هندسية تقتلته أو تقيده أو تفرق بين الإخوة في لوحتهم الواحدة.

تناسقات التوازي والتقاطع:

كما لا يخفى من أوليات النظرة الأولى إتقان دوران العينين المتوسطتين اللوحة مرْكزا لها، مع رسمة الحاجب على اختلاف في درجة كثافة اللون.

ومن التناسقات المتوازية بعد دوران العين اليمنى (عون) وقبيل الواو مباشرة مع حركة الدوران المخطوف للنزول للياء ومساحة الأبيض والملون المنضبطة بشكل ممتاز والتي تفيد استرخاء يعقبه قبض وتقلص محمود جدا في رأس الواو مع دقائقها الرفيعة، على أننا نرشح أنه كتب العين أولا قبل ( في) بدليل أن نهاية الياء منحرفة قليلا لليسار بشكل يصب في العين ليحدث التكامل بين الرفيع والسميك والتشابك بين جزيئيات اللوحة المتتالية خطا ونصا ( معنى مقروءا) بين كلمتين.

إلا أنه أخطأ في توصيل النون المتوسطة للوحة للعين الثانية (عبد) في الطرف الأخير خطأ غير فاحش، إذ أثره البصري قليل، ولب المشكل أن ذا الطرف القصير الذي طَوَّلَه بالغا به العين لو حذفه واكتفى بطرف النون واصلا لرَدَّة العين الراجعة بحرف الباء بعد ما صنعت سنتها، لَحَقَّق فوائدَ منها جعل النون مائلة قليلا لليسار وهذا هو الأولى في الأمشق مشابهة لأعمال الأتراك الكثيرة القديمة، لا سيما في السطر العادي فضلا عن التصرف في التشكيل، وأظن أن أغلب المصريين بعدهم وغيرهم تابعوهم في ذلك، وهي ظاهرة شديدة الوضوح أظهر من أن يدلل عليها، وأقل القولِ اطرادُها في لوحات عبد الله الزهدي بالمسجد النبوي والشيخ عبد العزيز الرفاعي في نونيته المطبوعة الشهيرة وفي لوحته الأثيرة بمدرسة خليل أغا بالقاهرة وغيرها، وكذلك عند الجيل اللاحق لهم كسيد إبراهيم في مشقه الثلثي وحامد الآمدي في مشقه ولوحاته على خلاف بعض المصريين ممن عاصرناهم وحسن منهم ذلك أحيانا وقبح أحيانا أخرى، والفائدة الثانية هي تقليل المثلثات الصغيرة الرفيعة المتكونة من الأماكن الضيقة في اللوحة والتي تمثل دقيقات غير ممتعة بل تزيد تكلفة اللوحة المعنوية حيث تجعلها معقدة دونما مقصود فني مفيد أكثر من جعل النون متعادلة الجنبين وهو مقصود لا نميل له.

تنشيز يمكن تمريره:

ومن أسوأ ما فعل الخطاط في هذه التحفة الجميلة تلك الألف المقابلة لألف لفظ الجلالة والتي هي من قبيل التزين لإحداث التوازن والتي كلفته أكبر تكلفة، وهي تغليظ حاجب العين الثانية مخالفة للأولى التي عرتها وفضحتها، لا ضعفا في أدائه – وفقا لاعترافنا بمقدرته العالية وتمكنه من أدواته الأولية جيدا – وإنما بغرض جعلها تتحمل سماكة وسماجة تلك الألف المعكوسة سيئة الوضع، وزاد الطين بلة أن جعل لها ذيلا راجعا منكسرا يخترق رأس العين ويكاد ينصفها ليسيء لمساحتها البيضاء مضاهأة منه لرشاقة ألف لفظ الجلالة التي تتعامل في وقة وتلمس مع العين بشكل عاطفي يحترم حرمها ولا يلمس أعضاءها وإنما يدور حولها ويستريح في داخلها بلا انكسار، وتختتم تلك الألف المتكلفة عملها القبيح بأنه لا بد من نفاذ سن ذيلها بعد اختراق جسم العين ورغم ضيق المساحة إلا أنها تصر على الاقتراب من السن الرفيع جدا للباء المرتفعة، كطفيلي لا فائدة منه يشارك عمدة وأصلا وركنا تقوم عليه اللوحة والنص، بشكل يضر فيه برقة هذه السنة البائية التي لا تجد لها رواجا ظاهرا بمقارنتها بالخطوط السميكة من حولها لمنافسة هذه الألف لها على التقابل بين الرفيع والسميك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

حتمية استكمال الإطار خطا:

المساحة البيضاء في يسار اللوحة تحت الدال كان يمكنه أن يملأها بظفر كبير أو أكثر، مما يدعم الشكل العام ويزيد من تماسكه الخارجي قبل انتقال العين للزخرفة المحيطة به والتي لا تملك إطارا يفصلها عنه وعدم امتلاك الزخرفة لهذا الإطار في حد ذاته ليس بعيب في وجهة نظرنا.

قاطع ومقطوع بلا عاشق ومعشوق:

ومما يستحق الإشادة هو إدراك الخطاط العميق لثنائية القاطع والمقطوع حيث كل من حاولوا التنظير لها - من وجهة نظري – وضعوا آليات وقواعد صماء لحد كبير تفيد الطالب المبتدئ لفهم بعض فلسفتها العامة لا لفهم حقيقتها وإمكاناتها الخلاقة وإتاحاتها الواسعة الحذرة في تشكيل اللوحة المركبة لا سيما من طبقات عدة، وذلك جلي في قطع ياء (في) لواو (عون) حيث قطعتها بُعيد انتهائه من إظهار رقة الواو في الانتقال من رأسها إلى جسمها دون ما يجني على هذه الرقة رغم ضيق المساحة المتاحة اضطراره لجعل رقبة الواو طويلة لا قصيرة مراعاة لأن واوها مرسلة غير مجموعة، وعلى أن اتجاه حركة جسد الواو قريب جدا من اتجاه حركة الياء لكن لم يكن التلاحم ممجوجا لاختلاف الهدف بينهما صعودا وهبوطا، واضطرار الياء للمسارعة في الصعود دونما كثرة احتكاك يفسد حدَّي جسد الواو أو يضيع ملامحها الدقيقة، وإن كنا نود منه لو ضَم طرف الياء الأخير قليلا لجهة اليمين حيث تزيد من التناسق مع دوران رأس الواو ولتصب في العين أيضا لا بأس ولكن مع مزيد من وقع الموسيقى الخطية، كأننا مثلا نقول لعازف الكمان أن يزيد الحدة الصوت فقط في إحدى الجمل الموسيقية التي يعزفها في نهاية الجملة من باب استحثاث الإثارة والتناغم أكثر مع القبول التام لعدم وجود هذه الزيادة المطلوبة حيث التناغمات الموجودة تفي بالتناسق الخطي جيدا.

ليست هناك تعليقات: